فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

قوله: {قل إن الذين يفترون على الله} الآية هذا توعد لهم بأنهم لا يظفرون ببغية ولا يبقون في نعمة إذ هذه حال من يصير إلى العذاب وإن نعم في دنياه يسيرًا، وقوله: {متاع} مرفوع على خبر ابتداء، أي ذلك متاع أو هو متاع أو على الابتداء بتقدير: لهم متاع، وقوله: {ثم إلينا مرجعهم} إلى آخر الآية توعد بحق. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ} أي يختلقون.
{عَلَى الله الكذب لاَ يُفْلِحُونَ} أي لا يفوزون ولا يأمنون؛ وتم الكلام.
{مَتَاعٌ فِي الدنيا} أي ذلك متاع، أو هو متاع في الدنيا؛ قاله الكسائي. وقال الأخفش: لهم متاع في الدنيا.
قال أبو إسحاق: ويجوز النصب في غير القرآن على معنى يتمتعون متاعًا.
{ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} أي رجوعهم.
{ثُمَّ نُذِيقُهُمُ العذاب الشديد} أي الغليظ.
{بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} أي بكفرهم. اهـ.

.قال الخازن:

{قل إن الذين يفترون على الله الكذب} أي: قل يا محمد لهؤلاء الذين يختلقون على الله الكذب فيقولون على الله الباطل ويزعمون أن له ولدًا: {لا يفلحون} يعني لا يسعدون وإن اغتروا بطول السلام والبقاء في النعمة.
والمعنى أن قائل هذا القول لا ينجح في سعيه ولا يفوز بمطلوبه بل خاب وخسر قال الزجاج هذا وقف قام يعني قوله لا يفلحون ثم ابتدأ فقال تعالى: {متاع في الدنيا} وفيه إضمار تقديره لهم متاع في الدنيا يتمتعون به مدة أعمارهم وانقضاء آجالهم في الدنيا وهي أيام يسيرة بالنسبة إلى طول مقامهم في العذاب وهو قوله سبحانه وتعالى: {ثم إلينا مرجعهم} يعني بعد الموت: {ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون} يعني ذلك العذاب بسب بما كانوا يجحدون في الدنيا من نعمة الله عليهم ويصفونه بما لا يليق بجلاله. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}
والذين يفترون على الله الكذب عام يشمل من نسب إلى الله الولد، ومن قال في الله وفي صفاته قولًا بغير علم وهو داخل في الوعيد بانتفاء الإفلاح، ولما نفى عنهم الفلاح وكان لهم حظ من إفلاحهم في الدنيا لحظوظ فيها من مال وجاه وغير ذلك قيل: متاع قليل جواب على تقدير سؤال، أن قائلًا قال: كيف لا يفلحون وهم في الدنيا مفلحون بأنواع مما يتلذذون به، فقيل: ذلك متاع في الدنيا، أو لهم متاع في الدنيا زائل لا بقاء له، ثم يلقون الشقاء المؤبد في الآخرة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قُلْ} تلوينٌ للخطاب وتوجيهٌ له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبين لهم سوءَ مغبّتِهم ووخامةَ عاقبتِهم: {إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكذب} أي في كل أمر فيدخل ما نحن بصدده من الافتراء بنسبة الولدِ والشريكِ إليه سبحانه دخولًا أوليًا: {لاَ يُفْلِحُونَ} أي لا ينجُون من مكروه ولا يفوزون بمطلوب أصلًا وتخصيصُ عدم النجاةِ والفوز بما يندرج في ذلك من عدم النجاةِ من النار وعدمِ الفوز بالجنة لا يناسب مقامَ المبالغة في الزجر عن الافتراء عليه سبحانه: {متاع في الدنيا} كلامٌ مستأنفٌ سيق لبيان أن ما يتراءى فيهم بحسب الظاهرِ من نيل المطالبِ والفوزِ بالحظوظ الدنيويةِ على الإطلاق أو في ضمن افترائِهم بمعزل من أن يكون من جنس الفلاحِ كأنه قيل: كيف لا يُفلحون وهم في غِبطة ونعيم؟ فقيل: هو متاعٌ يسير في الدنيا وليس بفوز بالمطلوب، ثم أشير إلى انتفاء النجاةِ عن المكروه أيضًا بقوله عز وعلا: {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} أي بالموت: {ثُمَّ نُذِيقُهُمُ العذاب الشديد بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} فيبقَوْن في الشقاء المؤبدِ بسبب كفرِهم المستمرِّ أو بكفرهم في الدنيا فأين هم من الفلاح، وقيل: المبتدأُ المحذوف حياتُهم أو تقلُّبهم، وقد قيل: إنه افتراؤُهم، ولا يخفى أن المتاعَ إنما يطلق على ما يكون مطبوعًا عند النفسِ مرغوبًا فيه في نفسه يُتمتع ويُنتفع به، وإنما عدمُ الاعتدادِ به لسرعة زوالهِ، ونفسُ الافتراء عليه سبحانه أقبحُ القبائح عند النفس فضلًا عن أن يكون مطبوعًا عندها وعده كذلك باعتبار إجراءِ حكمِ ما يؤدي إليه من رياستهم عليه مما لا وجهَ له، فالوجهُ ما ذكر أولًا، وليس ببعيد ما قيل: أن المحذوفَ هو الخبرُ أي لهم متاعُ والآية إما مسوقةٌ من جهة الله تعالى لتحقيق عدم إفلاحِهم غيرُ داخلةٍ في الكلام المأمورِ به كما يقتضيه ظاهرُ قولِه تعالى: {ثُمَّ نُذِيقُهُمُ} وإما داخلةٌ فيه على أن النبي عليه الصلاة والسلام مأمورٌ بنقله وحكايتِه عنه عز وجل. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}
{قُلْ} تلوين للخطاب وتوجيه له إلى سيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم ليبين سوء مغبتهم ووخامة عاقبتهم وفي ذلك إنذار لهم عن الاستمرار على ما هم فيه ولغيرهم عن الوقوع في مثله: {إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكذب} في كل أمر ويدخل الافتراء بنسبة الولد والشريك إليه تعالى دخولًا أوليًا وهو أولى من الاقتصار على ما الكلام فيه، وحينئذٍ فالمراد بالموصول ما يعم أولئك المخاطبين وغيرهم، أي إن من تكون هذه صفتهم كائنًا ما كانوا: {لاَ يُفْلِحُونَ} لا ينجون من مكروه ولا يفوزون بمطلوب أصلًا ويندرج في ذلك عدم النجارة من النار وعدم الفوز بالجنة والاقتصار عليه في مقام المبالغة في الزجر عن الافتراء عليه سبحانه دون التعميم في المناسبة.
{متاع في الدنيا} خبر مبتدأ محذوف أي هو أو ذلك متاع، والتنوين للتحقير والتقليل، والظرف متعلق بما عنده أو بمحذوف وقع نعتًا له، والجملة كلام مستأنف سيق جوابًا لسؤال مقدر عما يتراءى فيهم بحسب الظاهر من نيل المطالب والفوز بالحظوظ الدنيوية على الإطلاق أو في ضمن افترائهم وبيانًا لأن ذلك بمعزل من أن يكون من جنس الفلاح كأنه قيل: كيف لا يفلحون وهم في غبطة ونعيم؟ فقيل: هو أو ذلك متاع حقير قليل في الدنيا وليس بفوز بالمطلوب، ثم أشير إلى انتفاء النجاة عن المكروه أيضًا بقوله سبحانه: {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} أي إلى حكمنا رجوعهم بالموت فيلقون الشقاء المؤبد: {ثُمَّ نُذِيقُهُمُ العذاب الشديد بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} أي بسبب كفرهم المستمر أو بكفرهم في الدنيا فأين هم من الفلاح وما ذكرنا من كون متاع خبر مبتدأ محذوف هو الذي ذهب إليه غير واحد من المعربين، غير أن أبا البقاء وآخرين منهم قدروا المبتدأ حياتهم أو تقلبهم أو افتراؤهم، واعترض على تقدير الأخير بأن المتاع إنما يطلق على ما يكون مطبوعًا عند النفس مرغوبًا فيه في نفسه يتمتع به وينتفع وإنما عدم الاعتداد به لسرعة زواله، ونفس الافتراء عليه سبحانه أقبح القبائح عند النفس فضلًا عن أن يكون مطبوعًا عندها.
وأجيب بأن إطلاق المتاع على ذلك باعتبار أنه مطبوع عند نفوسهم الخبيثة وفيه انتفاع لهم به حسبما يرونه انتفاعًا وإن كان من أقبح القبائح وغير منتفع به في نفس الأمر، ولا يخفى أن الوجه الأول مع هذا أوجه، وقيل: إن المذكور مبتدأ محذوف الخبر أي لهم متاع إلخ وليس ببعيد، والآية إما مسوقة من جهته سبحانه لتحقيق عدم إفلاحهم غير داخلة في الكلام المأمور به وهو الذي يتقضيه ظاهر قوله سبحانه: {ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} وقوله تعالى: {ثُمَّ نُذِيقُهُمُ} وإما داخلة فيه على أن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بنقله وحكايته عنه تعالى شأنه وله نظائر في الكتاب العزيز. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} استئناف افتتح بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول لتنبيه السامعين إلى وعي ما يرد بعد الأمر بالقول بأنه أمر مهم بحيث يطلب تبليغه، وذلك أن المَقُول قضية عامة يحصل منها وعيد للذين قالوا: اتخذ الله ولدًا، على مقالتهم تلك، وعلى أمثالها كقولهم: {ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرَّم على أزواجنا} [الأنعام: 139] وقولهم: ما كان لآلهتهم من الحَرث والأنعام لا يصل إلى الله وما كان لله من ذلك يصل إلى آلهتهم، وقولهم: {لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} [الإسراء: 90] وأمثال ذلك.
فذلك كله افتراء على الله، لأنهم يقولونه على أنه دين، وماهية الدين أنه وضع إلهي فهو منسوب إليه، ويحصل من تلك القضية وعيد لأمثال المشركين من كل من يفتري على الله ما لم يقله، فالمقول لهم ابتداءًا هم المشركون. والفلاح: حصول ما قصده العامل من عمله بدون انتقاض ولا عاقبة سوء. وتقدم في طالع سورة البقرة. فنفي الفلاح هنا نفي لحصول مقصودهم من الكذب وتكذيب محمد صلى الله عليه وسلم.
وجملة: {متاعٌ في الدنيا} استئناف بياني، لأن القضاء عليه بعدم الفلاح يتوجه عليه أن يسأل سائل كيف نراهم في عزة وقدرة على أذى المسلمين وصد الناس عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيجاب السائل بأن ذلك تمتيع في الدنيا لا يَعبأ به، وإنما عدم الفلاح مظهره الآخرة، ف: {متاع} خبر مبتدأ محذوف يعلم من الجملة السابقة، أي أمرهم متاع.
والمتاع: المنفعة القليلة في الدنيا إذ يقيمون بكذبهم سيادتهم وعزتهم بين قومهم ثم يزول ذلك.
ومادة (متاع) مؤذنة بأنه غير دائم كما تقدم في قوله تعالى: {ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} في أوائل سورة الأعراف (24). وتنكيره مؤذن بتقليله، وتقييده بأنه في الدنيا مؤكد للزوال وللتقليل، و{ثم} من قوله: {ثم إلينا مرجعهم} للتراخي الرتبي لأن مضمونه هو محقة أنهم لا يفلحون فهو أهم مرتبة من مضمون لا يفلحون.
والمرجع: مصدر ميمي بمعنى الرجوع.
ومعنى الرجوع إلى الله الرجوع إلى وقت نفاذ حكمه المباشر فيهم. وتقديم: {إلينا} على متعلَّقه وهو المرجع للاهتمام بالتذكير به واستحضاره كقوله: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة} إلى قوله: {ووجد الله عنده فوفَّاه حسابه} [النور: 39] ويجوز أن يكون المرجع كناية عن الموت.
وجملة: {ثم نذيقهم العذاب الشديد} بيان لجملة: {ثم إلينا مرجعهم}.
وحرف (ثم) هذا مؤكد لنظيره الذي في الجملة المبينة على أن المراد بالمرجع الحصول في نفاذ حكم الله.
والجمل الأربع هي من المقول المأمور به النبي صلى الله عليه وسلم تبليغًا عن الله تعالى.
وإذاقة العذاب إيصاله إلى الإحساس، أطلق عليه الإذاقة لتشبيهه بإحساس الذوق في التمكن من أقوى أعضاء الجسم حاسية لمس وهو اللسان.
والباء في: {بما كانوا يكفرون} للتعليل.
وقوله: {كانوا يكفرون} يؤذن بتكرر ذلك منهم وتجدده بأنواع الكفر. اهـ.

.قال الشعراوي:

{قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}
والحق سبحانه وتعالى حينما يتكلم عن الإيمان وثمرته ونهايته ياتي بالفَلاَح كنتيجة لذلك الإيمان، فهو سبحانه القائل: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [الشمس: 9].
وهو سبحانه القائل: {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون} [المؤمنون: 1].
ويقول أيضًا: {أولئك هُمُ المفلحون} [الأعراف: 157].
وكلها من مادة الفلاح وهي مأخوذة من الأمر الحسي المتصل بحياة الكائن الحي، فمقومات وجود الكائن الحي: نَفَس، وماء، وطعام، والتنفس يأتي من الهواء الذي يحيط بالأرض، والماء ينزل من السماء أو يُستنبط مما تسرب في باطن الأرض. والطعام يأتي من الأرض، وكل ما أصله من الأرض يُستخرج بالفلاحة.
لذلك نقول: إن الفلاَحة هي السبب الاستبقائي للحياة، فكما يُفْلِح الإنسان الأرض، ويشقها ويبذر فيها البذور، ثم يرويها، ثم تنضج وتخرج الثمرة، ويقال: أفلح، أي: أنتجت زراعته نتاجًا طيبًا.
وشاء الحق سبحانه أن يمسِّي الحصيلة الإيمانية الطيبة بالفلاح.
وبيَّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدنيا مزرعة الآخرة، فإن كنت تريد ثمرة فابذل الجهد.
وإياك والظن أن الدين حينما يأخذ منك شيئًا في الدنيا أنه يُنْقِص ما عندك، لا، بل هو يُنمِّي لك ما عندك.
والمثل الذي أضربه دائمًا ولله المثل الأعلى نجد الفَلاَّح حين يزرع فدانًا بالقمح، فهو يأخذ من مخزنه إردبًا؛ ليستخدمه كبذور في الأرض، ولو كانت امرأته حمقاء لا تعرف أصول الزراعة ستقول له: أنت أخذت من القمح، وكيف تترك عيالك وأنت تنقصهم من قوتهم؟
هذه المرأة لا تعلم أنه أخذ إردبَّ القمح المُخَزَّن؛ ليعود به بعد الحصاد عشرة أو خمسة عشر إردّبًا من القمح.
كذلك مطلوب الله سبحانه في الدنيا قد يبدو وكأنه ينقصك أشياء، لكنه يعطيك ثمار الآخرة ويزيدها.
إذن: فالفلاح مادة مأخوذة من فلح الأرض وشقها وزرعها لتأخذ الثمرة.
وكما أنك تأخذ حظك من الثمار على قدر حظك من التعب ومن العمل، فذلك أمر الآخرة وأمر الدنيا.
ومثال ذلك: الفلاح الذي يحرث الأرض، ويحمل للأرض السماد على المطية، ثم يستيقظ مبكرًا في مواعد الري، تجد هذا الفلاح في حالة من الانشراح والفرح في يوم الحصاد، وأمره يختلف عمن يهمل الأرض ويقضي الوقت على المقهى، ويسهر الليل أمام التلفزيون، ويأتي يوم الحصاد ليحزن على محصوله الذي لم يحسن زراعته.
وقول الحق سبحانه: {إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكذب لاَ يُفْلِحُونَ} [يونس: 69].
أي: هؤلاء الذي يقولون عن الله تعالى أو في الله تعالى بغير علم من الله، هم الذين لا يفلحون.